فصل: انحناء

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الموسوعة الفقهية الكويتية ****


انتقال

التّعريف

1 - الانتقال في اللّغة‏:‏ التّحوّل من موضعٍ إلى آخر‏.‏ ويستعمل مجازاً في التّحوّل المعنويّ، فيقال‏:‏ انتقلت المرأة من عدّة الطّلاق إلى عدّة الوفاة‏.‏ ويطلق عند الفقهاء على هذين المعنيين كما سيأتي‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

الزّوال‏:‏

2-الزّوال في اللّغة بمعنى‏:‏ التّنحّي، ومعنى العدم‏.‏

والفرق بين الانتقال والزّوال‏:‏ أنّ الزّوال يعني العدم في بعض الأحيان، والانتقال لا يعني ذلك‏.‏ وأيضاً‏:‏ أنّ الانتقال يكون في الجهات كلّها، أمّا الزّوال فإنّه يكون في بعض الجهات دون بعضٍ، ألا ترى أنّه لا يقال‏:‏ زال من سفلٍ إلى علوٍ‏.‏ ويقال‏:‏ انتقل من سفلٍ إلى علوٍ، وثمّة فرق ثالث هو أنّ الزّوال لا يكون إلاّ بعد استقرارٍ وثباتٍ صحيحٍ أو مقدّرٍ، تقول‏:‏ زال ملك فلانٍ، ولا تقول‏:‏ ذلك إلاّ بعد ثبات الملك له، وتقول‏:‏ زالت الشّمس، وهذا وقت الزّوال، وذلك أنّهم يقدّرون أنّ الشّمس تستقرّ في كبد السّماء ثمّ تزول، وذلك لما يظنّ من بطء حركتها‏.‏ وليس كذلك الانتقال‏.‏ فعلى هذا يكون الانتقال أتمّ من الزّوال‏.‏

الحكم التّكليفي

قد يكون الانتقال واجباً، وقد يكون جائزاً‏.‏

أ - الانتقال الواجب‏:‏

3 - إذا تعذّر الأصل وجب الانتقال إلى البدل، والمتتبّع لأحكام الفقه يجد كثيراً من التّطبيقات لهذه القاعدة، من ذلك أنّه إذا هلك المغصوب في يد الغاصب وجب مثله أو قيمته‏.‏ وأنّ من عجز عن الوضوء لفقد الماء وجب عليه الانتقال إلى التّيمّم، ومن عجز عن القيام في الصّلاة انتقل إلى القعود، ومن عجز عن الصّيام لشيخوخةٍ وجبت عليه الفدية، ومن عجز عن أداء صلاة الجمعة لمرضٍ أو غيره وجبت عليه صلاة الظّهر، ومن أتلف لآخر شيئاً لا مثل له وجبت عليه قيمته، وإذا لم يجد المصدّق - جابي الصّدقة - السّنّ المطلوبة من الإبل أخذ سنّاً أعلى منها ودفع الفرق، أو أخذ سنّاً أدنى منها وأخذ الفرق، ومن تزوّج امرأةً على خمرٍ وجب الانتقال إلى مهر المثل‏.‏ ومن عجز عن خصال كفّارة اليمين انتقل إلى البدل وهو الصّيام، وهكذا كلّ كفّارةٍ لها بدل، يصار إلى البدل عند تعذّر الأصل‏.‏

ب - الانتقال الجائز‏:‏

4 - الانتقال الجائز قد يكون بحكم الشّرع، وقد يكون باتّفاق الطّرفين، ويجوز الانتقال من الأصل إلى البدل إذا كان في البدل مصلحة ظاهرة شرعاً، فيجوز عند بعض الفقهاء الحنفيّة دفع بدل الواجب في الزّكاة، والصّدقة، وزكاة الفطر، والنّذر، والكفّارة، والعشر، والخراج‏.‏ كما يجوز باتّفاق أصحاب العلاقة الانتقال من الواجب إلى البدل في دين القرض، وبدل المتلفات مثلاً وقيمته، وثمن المبيع، والأجرة، والصّداق، وعوض الخلع، وبدل الدّم، ولا يجوز ذلك في دين المسلم‏.‏

أنواع الانتقال

يتنوّع الانتقال إلى الأنواع الآتية‏:‏

أ - الانتقال الحسّيّ‏:‏

5 - إذا انتقلت الحاضنة من بلد الوليّ إلى آخر للاستيطان سقط حقّها في الحضانة‏.‏ وينتقل القاضي أو نائبه أو من يندبه إلى المخدّرة ‏(‏وهي من لا تخرج في العادة لقضاء حاجتها‏)‏ والعاجزة لسماع شهادتها، ولا تكلّف هي بالحضور إلى مجلس القاضي لأداء الشّهادة‏.‏ ولا تنتقل المعتدّة رجعيّاً من بيعها إلاّ لضرورةٍ اقتضت ذلك

ب - انتقال الدّين‏:‏

6 - ينتقل الدّين الثّابت في الذّمّة إلى ذمّة شخصٍ آخر بالحوالة‏.‏

ج - انتقال النّيّة‏:‏

7 - انتقال النّيّة أثناء أداء العبادات البدنيّة المحضة يفسد تلك العبادة‏.‏

وقال الحنفيّة‏:‏ لا تفسد إلاّ إذا رافقها شروع في غيرها، ففي الصّلاة مثلاً‏:‏ إذا انتقل وهو في الصّلاة من نيّة الفرض الّذي نواه إلى نيّة فرضٍ آخر، أو إلى نفلٍ، فسدت صلاته عند الجمهور، وعند الحنفيّة لا تفسد إلاّ إذا كبّر للصّلاة الأخرى‏.‏

وإذا فسدت صلاته، فهل تصحّ الصّلاة الجديدة الّتي انتقل إليها ‏؟‏

قال الجمهور‏:‏ لا تصحّ، وقال الحنفيّة‏:‏ تصحّ مستأنفةً من حين التّكبير، وقال بعضهم‏:‏ إن نقل نيّة الفرض إلى النّفل صحّ النّفل، وقال آخرون‏:‏ لا تصحّ‏.‏ ومن صور انتقال النّيّة أيضاً نيّة المقتدي الانفصال عن الإمام، وقد أجاز ذلك بعض الأئمّة ومنعه آخرون،

وتفصيل ذلك في مصطلح ‏(‏اقتداء‏)‏‏.‏

د - انتقال الحقوق‏:‏

الحقوق من حيث قابليّتها للانتقال على نوعين، حقوقٍ تقبل الانتقال، وحقوقٍ لا تقبل الانتقال‏.‏

- 1 - الحقوق الّتي لا تقبل الانتقال‏:‏

8 - أوّلاً‏:‏ الحقوق المتعلّقة بشخص الإنسان، وتتعلّق بإرادته، وهي حقوق غير ماليّةٍ في الغالب كاللّعان، والفيء بعد الإيلاء، والعود في الظّهار، والاختيار بين النّسوة اللّاتي أسلم عليهنّ إذا كنّ أكثر من أربعٍ، واختيار إحدى زوجتيه الأختين اللّتين أسلم عليهنّ، وحقّ الزّوجة في الطّلاق بسبب الضّرر ونحوه، وحقّ الوليّ في فسخ النّكاح لعدم الكفاءة، وما فوّض إليه من الولايات والمناصب كالقضاء والتّدريس والأمانات والوكالات ونحو ذلك‏.‏

وقد تكون حقوقاً ماليّةً، كحقّ الفسخ بخيار الشّرط، وحقّ الرّجوع بالهبة، وحقّ الخيار في قبول الوصيّة، إذ لا تنتقل هذه الحقوق إلى الورثة بالموت‏.‏

على خلافٍ وتفصيلٍ يعرف في أبوابها

9 - ثانياً‏:‏ حقوق اللّه تعالى البدنيّة الخالصة المفروضة فرضاً عينيّاً، كالصّلاة، والصّيام، والحدود إلاّ القذف لما فيه من حقّ العبد‏.‏

- 2 - الحقوق الّتي تقبل الانتقال‏:‏

10 - قال القرافيّ‏:‏ من الحقوق ما ينتقل إلى الوارث، ومنها ما لا ينتقل، فمن حقّ الإنسان أن يلاعن عند سبب اللّعان، وأن يفيء بعد الإيلاء، وأن يعود بعد الظّهار، وأن يختار من نسوةٍ إذا أسلم عليهنّ، وهنّ أكثر من أربعٍ، وأن يختار إحدى الأختين إذا أسلم عليهنّ، وإذا حمل المتبايعان له الخيار فمن حقّه أن يملك إمضاء البيع عليهما وفسخه، ومن حقّه ما فوّض إليه من الولايات والمناصب، كالقصاص والإمامة والخطابة وغيرهما، وكالأمانة والوكالة، فجميع هذه الحقوق لا ينتقل للوارث منها شيء، وإن كانت ثابتةً للمورث‏.‏ بل الضّابط لما ينتقل إليه ما كان متعلّقاً بالمال، أو يدفع ضرراً عن الوارث في عرضه بتخفيف ألمه‏.‏ وما كان متعلّقاً بنفس المورث وعقله وشهواته لا ينتقل للوارث‏.‏ والسّرّ في الفرق أنّ الورثة يرثون المال فيرثون ما يتعلّق به تبعاً له، ولا يرثون عقله ولا شهوته ولا نفسه، فلا يرثون ما يتعلّق بذلك، وما لا يورث لا يرثون ما يتعلّق به، فاللّعان يرجع إلى أمرٍ يعتقده لا يشاركه فيه غيره غالباً، والاعتقادات ليست من باب المال، والفيئة شهوته، والعود إرادته، واختيار الأختين والنّسوة إربه وميله، وقضاؤه على المتبايعين عقله وفكرته ورأيه ومناصبه وولاياته وآراؤه واجتهاداته وأفعاله الدّينيّة فهو دينه، ولا ينتقل شيء من ذلك للوارث، لأنّه لم يرث مستنده وأصله‏.‏

وانتقل للوارث خيار الشّرط في البيعات، وقاله الشّافعيّ رحمه الله تعالى، وقال أبو حنيفة وأحمد بن حنبلٍ‏:‏ لا ينتقل إليه‏.‏ وينتقل للوارث خيار الشّفعة عندنا ‏(‏عند المالكيّة‏)‏ وخيار التّعيين إذا اشترى موروثه عبداً من عبدين على أن يختار، وخيار الوصيّة إذا مات الموصى له بعد موت الموصي، وخيار الإقالة والقبول إذا أوجب البيع لزيدٍ فلوارثه القبول والرّدّ‏.‏ وقال ابن الموّاز‏:‏ إذا قال‏:‏ من جاءني بعشرةٍ فغلامي له، فمتى جاء أحد بذلك إلى شهرين لزمه، وخيار الهبة وفيه خلاف، ومنع أبو حنيفة خيار الشّفعة، وسلّم خيار الرّدّ بالعيب، وخيار تعدّد الصّفقة، وحقّ القصاص، وحقّ الرّهن، وحبس المبيع، وخيار ما وجد من أموال المسلمين في الغنيمة فمات ربّه قبل أن يختاره أخذه بعد القسمة، ووافقناه نحن على خيار الهبة في الأب للابن بالاعتصار، وخيار العتق واللّعان والكتابة والطّلاق، بأن يقول‏:‏ طلّقت امرأتي متى شئت، فيموت المقول له، وسلّم الشّافعيّ جميع ما سلّمناه، وسلّم خيار الإقالة والقبول‏.‏

هـ - انتقال الأحكام‏:‏

11 - أوّلاً‏:‏ إذا طلّق الرّجل زوجته غير الحامل، ثمّ مات عنها وهي في العدّة فإنّها تنتقل من عدّة الطّلاق إلى عدّة الوفاة في الجملة‏.‏ وإذا طلّقها وهي صغيرة لا تحيض، فابتدأت عدّتها بالأشهر ثمّ حاضت، انتقلت عدّتها إلى الحيض‏.‏

12 - ثانياً‏:‏ حجب النّقصان ينتقل فيه الوارث من فرضٍ إلى فرضٍ أقلّ، فالزّوج - مثلاً - ينتقل فرضه من النّصف إلى الرّبع، عند وجود الفرع الوارث‏.‏

انتهاب

التّعريف

1 - الانتهاب في اللّغة من نهب نهباً‏:‏ إذا أخذ الشّيء بالغارة والسّلب‏.‏ والنّهبة، والنّهبى‏:‏ اسم للانتهاب، واسم للمنهوب‏.‏

ويعرّف الفقهاء الانتهاب بقولهم‏:‏ أخذ الشّيء قهراً، أي مغالبةً‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

أ - الاختلاس‏:‏

2 - يفترق الانتهاب عن الاختلاس، إذ الاعتماد في الاختلاس على سرعة الأخذ، بخلاف الانتهاب، فإنّ ذلك غير معتبرٍ فيه‏.‏ وأيضاً فإنّ الاختلاس يستخفي فيه المختلس في ابتداء اختلاسه، والانتهاب لا يكون فيه استخفاء في أوّله ولا آخره‏.‏

ب - الغصب‏:‏

3 - يفترق الانتهاب عن الغصب‏:‏ في أنّ الغصب لا يكون إلاّ في أخذ ممنوعٍ أخذه، والانتهاب قد يكون في ممنوعٍ أخذه، وفيما أبيح أخذه‏.‏

ج - الغلول‏:‏

4 - الغلول‏:‏ الأخذ من الغنيمة قبل القسمة، وليس من الغلول أخذ الغزاة ما يحتاجون إليه من طعامٍ ونحوه، أو الانتفاع بالسّلاح مع إعادته عند الاستغناء عنه، فهذا من الانتهاب المأذون به من الشّرع، وكذلك أخذ السّلب بشروطه، ر‏:‏ ‏(‏غلول، سلب، غنائم‏)‏‏.‏

أنواع الانتهاب

5 - الانتهاب على ثلاثة أنواعٍ‏:‏

أ - نوع لا تسبقه إباحة من المالك‏.‏

ب - نوع تسبقه إباحة من المالك، كانتهاب‏.‏ النّثار الّذي ينثر على رأس العروس ونحو ذلك، فإنّ ناثره - المالك - أباح للنّاس انتهابه‏.‏

ج - نوع أباحه المالك ليؤكل على وجهٍ ما يؤكل به، فانتهبه النّاس، كانتهاب المدعوّين طعام الوليمة‏.‏

حكمه التّكليفي

6 - اتّفق الفقهاء على تحريم النّوع الأوّل من الانتهاب - وهو انتهاب ما لم يبحه مالكه - لأنّه نوع من الغصب المحرّم بالإجماع‏.‏ ويجب فيه التّعزير، وقد فصّل الفقهاء ذلك في كتاب السّرقة وكتاب الغصب‏.‏

7- أمّا النّوع الثّاني من الانتهاب، كانتهاب النّثار، فقد اختلف فيه الفقهاء، فمنهم من منعه تحريماً له كالشّوكانيّ، ومنهم من منعه كراهةً له كأبي مسعودٍ الأنصاريّ، وإبراهيم النّخعيّ وعطاء بن أبي رباحٍ وعكرمة وابن أبي ليلى وابن شبرمة وابن سيرين والشّافعيّ ومالكٍ وأحمد في إحدى الرّوايتين عنه‏.‏

واستدلّ القائلون بالتّحريم بما ورد من «نهي رسول اللّه صلى الله عليه وسلم عن النّهبى»‏.‏ واستدلّ الآخرون‏:‏ بأنّ الانتهاب المحرّم الّذي ورد النّهي عنه هو ما كانت عليه العرب في الجاهليّة من الغارات، وعلى الامتناع منه وقعت البيعة في حديث عبادة عند البخاريّ «بايعنا رسول اللّه صلى الله عليه وسلم على ألاّ ننتهب»‏.‏

أمّا انتهاب ما أباحه مالكه فهو مباح، ولكنّه يكره لما في الالتقاط من الدّناءة‏.‏

وأمّا من أباح الانتهاب، فقد قال‏:‏ إنّ تركه أولى، ولكن لا كراهة فيه، ومن هؤلاء‏:‏ الحسن البصريّ، وعامر الشّعبيّ وأبو عبيدٍ القاسم بن سلّامٍ وابن المنذر والحنفيّة وبعض الشّافعيّة وبعض المالكيّة وأحمد بن حنبلٍ في روايةٍ ثانيةٍ عنه‏.‏

واستدلّ هؤلاء بما روته أمّ المؤمنين عائشة رضي الله عنها «أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم تزوّج بعض نسائه، فنثر عليه التّمر»‏.‏ وبما روى عبد اللّه بن قرطٍ رضي الله عنه أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ «أحبّ الأيّام إلى اللّه يوم النّحر ثمّ يوم عرفة‏.‏ فقرّبت إليه بدناتٍ خمساً أو ستّاً فطفقن يزدلفن إليه بأيّتهنّ يبدأ، فلمّا وجبت - سقطت - جنوبها، قال كلمةً خفيفةً لم أفهمها - أي لم يفهمها الرّاوي وهو عبد اللّه بن قرطٍ - فقلت للّذي كان إلى جنبي‏:‏ ما قال رسول اللّه ‏؟‏ فقال- قال‏:‏ من شاء اقتطع»‏.‏

«وشهد رسول اللّه صلى الله عليه وسلم إملاك شابٍّ من الأنصار فلمّا زوّجوه قال‏:‏ على الألفة والطّير الميمون والسّعة والرّزق، بارك اللّه لكم، دفّفوا على رأس صاحبكم، فلم يلبث أن جاءت الجواري معهنّ الأطباق عليها اللّوز والسّكّر، فأمسك القوم أيديهم، فقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ ألا تنتهبون، فقالوا‏:‏ يا رسول اللّه إنّك نهيت عن النّهبة، قال‏:‏ تلك نهبة العساكر، فأمّا العرسات فلا، فرأيت رسول اللّه يجاذبهم ويجاذبونه»‏.‏

8 - أمّا النّوع الثّالث‏:‏ وهو ما أباحه مالكه لفئةٍ من النّاس ليتملّكوه دون انتهابٍ، بل على وجه التّساوي، أو على وجهٍ يقرب من التّساوي - كوضعه الطّعام أمام المدعوّين إلى الوليمة - فإنّ انتهابه حرام لا يحلّ ولا يجوز، لأنّ مبيحه إنّما أراد أن يتساووا في أكله - مثلاً - فمن أخذ منه أكثر ممّا كان يأكل منه مع أصحابه على وجه الأكل، فقد أخذ حراماً وأكل سحتاً‏.‏ وقد ذكر الفقهاء ذلك عند حديثهم عن الوليمة في كتاب النّكاح‏.‏

أثر الانتهاب

9 - يملك المنتهب ما انتهبه ممّا أباحه مالكه بالانتهاب بأخذه، لأنّه مباح، وتملك المباحات بالحيازة‏.‏ أو هو هبة، فيملك بما تملك به الهبات‏.‏

أنثيان

التّعريف

1 - الأنثيان‏:‏ الخصيتان، وهما في الاصطلاح بهذا المعنى‏.‏

الحكم الإجمالي

2 - أ - الأنثيان من العورة المغلّظة فتأخذ حكمها ‏(‏ر‏:‏ عورة‏)‏‏.‏

ب - الاختصاء والإخصاء والجبّ للإنسان حرام لنهي رسول اللّه صلى الله عليه وسلم عبد اللّه بن مسعودٍ عن الاختصاء، فعن إسماعيل بن قيسٍ قال‏:‏ قال عبد اللّه‏:‏ «كنّا نغزو مع رسول اللّه صلى الله عليه وسلم وليس لنا شيء، فقلنا‏:‏ ألا نستخصي ‏؟‏ فنهانا عن ذلك»‏.‏ وقيل‏:‏ نزل في هذا ‏{‏يا أيّها الّذين آمنوا لا تحرّموا طيّبات ما أحلّ اللّه لكم‏}‏،

وفي الباب جملة من الأحاديث الّتي تحرّم ذلك‏.‏

ج - في الجناية على الخصيتين في غير العمد الدّية، وفي إحداهما نصف الدّية، فإن قطع أنثييه فذهب نسله لم يجب أكثر من الدّية، وإن ذهب نسله بقطع إحداهما لم يجب أكثر من نصف الدّية‏.‏ ‏(‏ر‏:‏ دية‏)‏‏.‏

أمّا في العمد ففيهما القصاص عند الشّافعيّة والحنابلة والمالكيّة، وأمّا الحنفيّة فلا يوجبون في الأنثيين القصاص لأنّ ذلك لا يعلم له مفصل فلا يمكن استيفاء المثل‏.‏ ‏(‏ر‏:‏ قصاص‏)‏‏.‏

قطع أنثيي الحيوان

3 - ذهب بعض الفقهاء إلى جوازه قطع أنثيي الحيوان، وذهب بعضهم إلى كراهته، على خلافٍ وتفصيلٍ ينظر في مصطلح ‏(‏إخصاء‏)‏‏.‏

انحصار

انظر‏:‏ حصر‏.‏

انحلال

التّعريف

1 - الانحلال لغةً‏:‏ الانفكاك، وفي دستور العلماء الانحلال‏:‏ بطلان الصّورة‏.‏

والانحلال عند الفقهاء بمعنى البطلان، والانفكاك، والانفساخ، والفسخ‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

أ - البطلان‏:‏

2 - يطلق الفقهاء الانحلال بمعنى البطلان، إلاّ أنّ البطلان يكون في المنعقد وغيره، أمّا الانحلال فلا يتصوّر إلاّ في الشّيء المنعقد، أمّا غير المنعقد فلا حلّ له‏.‏

ب - الانفساخ‏:‏

يعبّر الفقهاء في المسألة الواحدة تارةً بالانفساخ وتارةً بالانحلال‏.‏ ونقل الحطّاب عن بعض المالكيّة أنّ الانفساخ لا يطلق في العقود الجائزة إلاّ مجازاً‏.‏

الحكم الإجماليّ، ومواطن البحث

3 - يرد لفظ الانحلال في كلام الفقهاء أكثر ما يرد في الأيمان، والطّلاق، والعقود‏.‏

ففي الأيمان‏:‏ متى كانت اليمين على فعل واجبٍ أو ترك محرّمٍ كان حلّها محرّماً، لأنّ حلّها بفعل المحرّم، وهو محرّم‏.‏ وإن كانت على فعل مندوبٍ أو ترك مكروهٍ فحلّها مكروه، وإن كانت على فعل مباحٍ فحلّها مباح، وإن كانت على فعل مكروهٍ أو ترك مندوبٍ فحلّها مندوب إليه‏.‏ فإنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ «إذا حلفت على يمينٍ فرأيت غيرها خيراً منها فأت الّذي هو خير، وكفّر عن يمينك»‏.‏

وإن كانت اليمين على فعل محرّمٍ أو ترك واجبٍ، فحلّها واجب لأنّ حلّها بفعل الواجب، وفعل الواجب واجب‏.‏

هذا من حيث أصل الحكم التّكليفيّ لحلّ اليمين‏.‏ أمّا أثره فهو الكفّارة في اليمين المنعقدة على تفصيلٍ ينظر في ‏(‏الأيمان‏)‏‏.‏

أسباب انحلال اليمين

4 - لانحلال اليمين أسباب منها‏:‏

أ - حصول ما علّق عليه الحالف‏:‏ فتنحلّ اليمين بوقوع ما علّق عليه، إلاّ إن كانت أداة التّعليق تقتضي التّكرار فاليمين تتكرّر معها، فلو قال لزوجته‏:‏ إن خرجت بغير إذني فأنت طالق، انحلّت اليمين بالخروج مرّةً واحدةً‏.‏

ب - زوال محلّ البرّ‏:‏ كما لو قال إن كلّمت فلاناً أو دخلت هذه الدّار فأنت طالق، فمات فلان أو جعلت الدّار بستاناً بطل اليمين‏.‏ وانظر بحث ‏(‏أيمان‏)‏

ج - البرّ، والحنث‏:‏ فلو فعل ما حلف على فعله انحلّت يمينه، وكذا تنحلّ لو انعقدت ثمّ حصل الحنث بوقوع ما حلف على نفيه‏.‏

د - الاستثناء‏:‏ تنحلّ به اليمين بشروطٍ وتفصيلاتٍ تذكر في بابي الطّلاق والأيمان، وقد يختلف ذلك في اليمين باللّه عن غيرها في بعض الصّور‏.‏

هـ- زوال ملك النّكاح‏:‏ تنحلّ به اليمين بالطّلاق عند بعض الفقهاء ومنعه البعض‏.‏

ومن الأمثلة على انفكاك اليمين إذا زال ملك النّكاح‏:‏ ما إذا قال لزوجته أنت طالق ثلاثاً إن فعلت كذا، ثمّ خالعها قبل وقوع ما علّق عليه، فإنّ اليمين تنفكّ، ولو عقد عليها من جديدٍ فإنّها لا تطلق إن فعلت ما علّق قبل الخلع، والبعض منع ذلك إن كان بقصد الاحتيال‏.‏

و - الرّدّة‏:‏ تنحلّ بها اليمين عند البعض دون البعض الآخر‏.‏

ز - ويتمّ الانحلال في العقود بأسبابٍ منها‏:‏ حلّ العقد غير اللّازم من كلا المتعاقدين، أو ممّن هو غير لازمٍ في حقّه، ومنها الفسخ بالتّراضي أو بحكم القضاء، ومنها الإقالة‏.‏ ويرجع إلى كلٍّ من هذه الأسباب في موضعه‏.‏

انحناء

التّعريف

1 - الانحناء في اللّغة مصدر‏:‏ حنى، فالانحناء‏:‏ الانعطاف والاعوجاج عن وجه الاستقامة‏.‏ يقال للرّجل إذا انحنى من الكبر حناه الدّهر، فهو محنيّ ومحنوّ‏.‏

ولا يخرج استعمال الفقهاء عن هذا المعنى اللّغويّ‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

أ - الرّكوع‏:‏

2 - الرّكوع نوع من الانحناء، إلاّ أنّه في الصّلاة على هيئةٍ مخصوصةٍ سيأتي بيانها‏.‏

ب - السّجود‏:‏

السّجود وضع الجبهة على الأرض، وهو يجتمع مع الانحناء بجامع الميل، إلاّ أنّ الميلان في السّجود أكثر بوصول الجبهة إلى الأرض‏.‏

ج - الإيماء‏:‏

الإيماء هو أن تشير برأسك أو بيدك أو بعينك أو بحاجبك أو بأقلّ من هذا، كما يومئ المريض برأسه للرّكوع والسّجود‏.‏ وقد يكون الإيماء بدون انحناءٍ‏.‏

الحكم التّكليفي

3 - يختلف حكم الانحناء باختلاف السّبب الباعث عليه‏:‏

فقد يكون الانحناء مباحاً، كالانحناء الّذي يقوم به المسلم في أعماله اليوميّة‏.‏

وقد يكون فرضاً في الصّلاة لا تصحّ إلاّ به، كما هو في الرّكوع في الصّلاة للقادر عليه‏.‏ وقد نصّ الفقهاء على أنّه يكون على صورةٍ مخصوصةٍ ومقدارٍ معيّنٍ، وهو عند جمهور الفقهاء بقدر ما يمدّ يديه فتنال ركبتيه عند الشّخص المعتدل القامة‏.‏ وتفصيل هذا في ‏(‏ركوع‏)‏‏.‏

وقد يكون محرّماً، كالانحناء تعظيماً لإنسانٍ أو حيوانٍ أو جمادٍ‏.‏ وهذا من الضّلالات والجهالات‏.‏ وقد نصّ الفقهاء على أنّ الانحناء عند الالتقاء بالعظماء ككبار القوم والسّلاطين تعظيماً لهم حرام باتّفاق العلماء‏.‏ لأنّ الانحناء لا يكون إلاّ للّه تعالى تعظيماً له، ولقوله لرجلٍ قال له‏:‏ «يا رسول اللّه، الرّجل منّا يلقى أخاه أو صديقه أينحني له ‏؟‏ قال صلى الله عليه وسلم‏:‏ لا»‏.‏

أمّا إن كان ذلك الانحناء مجرّد تقليدٍ للمشركين، دون قصد التّعظيم للمنحنى له فإنّه مكروه، لأنّه يشبه فعل المجوس‏.‏ قال ابن تيميّة‏:‏ الانحناء للمخلوق ليس من السّنّة، وإنّما هو مأخوذ من عادات بعض الملوك والجاهلين‏.‏

أمّا لو أكره على الانحناء للسّلطان وغيره فتجري عليه أحكام الإكراه بشروطه، لما فيه من معنى الكفر‏.‏ وتفصيله في بحث ‏(‏إكراه‏)‏‏.‏

انحناء المصلّي أثناء القيام

القيام المطلوب في الصّلاة وغيرها قد يعتريه شيء من الانحناء لسببٍ أو آخر، فإن كان قليلاً بحيث يبقى اسم القيام موجوداً، ولا يصل إلى حدّ الرّكوع المطلوب في الصّلاة فإنّه لا يخلّ بصفة القيام المطلوب في الصّلاة عند جمهور الفقهاء، وقد سمّاه الحنفيّة قياماً غير تامٍّ‏.‏ واختلفوا في اقتداء المستوي خلف الأحدب، فقال الحنفيّة والشّافعيّة بجوازه، وقيّده بعض الحنفيّة بأن لا تبلغ حدبته حدّ الرّكوع، وتمييز قيامه عن ركوعه، وقال المالكيّة بجوازه مع الكراهة، ومنعه الحنابلة مطلقاً‏.‏

اندراس

التّعريف

1 - الاندراس‏:‏ مصدر اندرس، وأصل الفعل درس، يقال‏:‏ درس الشّيء، واندرس أي‏:‏ عفا وخفيت آثاره، ومثله الانمحاء بمعنى ذهاب الأثر‏.‏

ولا يخرج المعنى الاصطلاحيّ عن هذا، حيث يستعمله الفقهاء في ذهاب معالم الشّيء وبقاء أثره فقط‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

الإزالة - والزّوال‏:‏

2 - الإزالة لغةً‏:‏ مصدر أزلته إذا نحّيته فزال‏.‏ ومن معاني الزّوال الهلاك والانتهاء‏.‏ تقول‏:‏ زال ملك فلانٍ إذا انتهى، ولا يكون الزّوال إلاّ بعد الاستقرار والثّبوت، فالزّوال على هذا يشترك مع الاندراس في الانتهاء، وإن كان يفترق عنه، فيطلق على تنحية الشّيء من مكان إلى آخر مع بقاء ذاته‏.‏ ولا يخرج الاستعمال الفقهيّ عن هذه المعاني‏.‏

الحكم الإجمالي

للاندراس أحكام تختلف بحسب موضوعه‏:‏

أ - اندراس المساجد‏:‏

3 - الكلام عن الاندراس في المسجد يتناول ما إذا استغنى النّاس عن المسجد بأن يخلو عن المصلّين في المحلّة، أو أن يخرب بحيث لا ينتفع به بالكلّيّة، فذهب أبو حنيفة ومالك والشّافعيّ، وهي الرّواية المرجوحة عن أحمد، ورواية عن أبي يوسف إلى أنّه يبقى مسجداً، ولا يباح ولا يرجع إلى الواقف، بل يبقى مسجداً عند أبي حنيفة وأبي يوسف إلى قيام السّاعة‏.‏ وذهب محمّد بن الحسن إلى أنّه يعود ملكاً للواقف أو ورثته‏.‏

وذهب الحنابلة في الرّواية الرّاجحة عن أحمد، وهي الرّواية الأخرى عن أبي يوسف إلى جواز بيع بعضه لإصلاح باقيه، إن أمكن ذلك، وإن لم يمكن الانتفاع بشيءٍ منه بيع جميعه، ووضع ثمنه في مسجدٍ آخر‏.‏

وهذا الحكم في بقعة المسجد، أمّا أنقاضه فتنقل إلى أقرب مسجدٍ، فإن لم يحتج إليها توضع في مدرسةٍ ونحوها من أماكن الخيرات‏.‏

وقال الحنابلة، وهو قول بعض المالكيّة‏:‏ يجوز بيعها ووضع ثمنها في مسجدٍ آخر‏.‏

ب - اندراس الوقف‏:‏

4 - معنى اندراس الوقف أنّه أصبح بحالةٍ لا ينتفع به بالكلّيّة، بألاّ يحصل منه شيء أصلاً، أو لا يفي بمئونته، كأوقاف المسجد إذا تعطّلت وتعذّر استغلالها‏.‏ في هذه الصّورة جوّز جمهور الحنفيّة الاستبدال على الأصحّ عندهم إذا كان بإذن القاضي ورأيه لمصلحةٍ فيه‏.‏ وأمّا المالكيّة فقد أجاز جمهورهم استبدال الوقف المنقول فقط إذا دعت إلى ذلك مصلحة، وهي الرّواية المشهورة عن مالكٍ‏.‏ قال الخرشيّ‏:‏ إنّ الموقوف إذا لم يكن عقاراً - إذا صار لا ينتفع به في الوجه الّذي وقف فيه كالثّوب يخلق، والفرس يمرض، وما أشبه ذلك - فإنّه يباع ويشتري مثله ممّا ينتفع به‏.‏

وأمّا العقار فقد منع المالكيّة استبداله مع شيءٍ من التّفصيل‏.‏ ففي المساجد‏:‏ أجمع المالكيّة على عدم جواز بيعها‏.‏ وفي الدّور والحوانيت إذا كانت قائمة المنفعة لا يجوز بيعها، واستثنوا توسيع المسجد أو المقبرة أو الطّريق العامّ فأجازوا بيعه، لأنّ هذا من المصالح العامّة للأمّة، واذا لم تبع الأحباس لأجلها تعطّلت، وأصاب النّاس ضيق، ومن الواجب التّيسير على النّاس في عبادتهم وسيرهم ودفن موتاهم‏.‏

وأمّا الشّافعيّة فقد شدّدوا كثيراً في استبدال العين الموقوفة، حتّى أوشكوا أن يمنعوه مطلقاً خشية ضياع الوقف أو التّفريط فيه‏.‏ قال النّوويّ‏:‏ والأصحّ جواز بيع حصر المسجد إذا بليت، وجذوعه إذا انكسرت، ولم تصلح إلاّ للإحراق‏.‏ ولو انهدم مسجد وتعذّر إعادته لم يبع بحالٍ، وتصرف غلّة وقفه إلى أقرب المساجد إليه‏.‏

ثمّ إنّ المسجد المنهدم لا ينقض إلاّ إذا خيف على نقضه، فينقض ويحفظ أو يعمّر به مسجد آخر إن رآه الحاكم، والأقرب إليه أولى، ولا يصرف نقضه لنحو بئرٍ وقنطرةٍ ورباطٍ‏.‏ واستدلّوا بقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «لا يباع أصلها ولا تبتاع ولا توهب ولا تورث»‏.‏ وأمّا الحنابلة‏:‏ فلم يفرّقوا بين عقارٍ ومنقولٍ في جواز الاستبدال وعدمه، وأخذوا حكم العقار من حكم المنقول، فكما أنّ الفرس الحبيسة على الغزو إذا كبرت ولم تصلح للغزو، وصلحت لشيءٍ آخر يجوز بيعها، فكذلك يقاس المنقول الآخر وغير المنقول عليها‏.‏ فبيع المسجد للحنابلة لهم فيه روايتان‏:‏

الرّواية الأولى‏:‏ يجوز بيع المسجد إذا صار المسجد غير صالحٍ للغاية المقصودة منه، كأن ضاق المسجد، أو خربت النّاحية، وحينئذٍ يصرف ثمنه في إنشاء مسجدٍ آخر يحتاج إليه في مكان آخر‏.‏ قال ابن قدامة‏:‏ إنّ الوقف إذا خرب وتعطّلت منافعه، كدارٍ انهدمت، أو أرضٍ خربت وعادت مواتاً ولم تمكن عمارتها، أو مسجدٍ انتقل أهل القرية عنه وصار في موضعٍ لا يصلّى فيه، أو ضاق بأهله ولم يمكن توسيعه في موضعه، أو تشعّب جميعه، ولم تمكن عمارته، ولا عمارة بعضه إلاّ ببيع بعضه، جاز بيع بعضه لتعمّر به بقيّته، وإن لم يمكن الانتفاع بشيءٍ منه بيع جميعه‏.‏

والرّواية الثّانية‏:‏ لا يجوز بيع المساجد‏.‏ روى عليّ بن سعيدٍ أنّ المساجد لا تباع وإنّما تنقل آلتها‏.‏ وقد رجّح ابن قدامة الرّواية الأولى‏.‏

ج - اندراس قبور الموتى‏:‏

5 - ذهب جماهير العلماء إلى أنّ الميّت المسلم إذا بلي وصار تراباً جاز نبش قبره ودفن غيره فيه، أمّا إذا بقي شيء من عظامه - غير عجب الذّنب - فلا يجوز نبشه ولا الدّفن فيه لحرمة الميّت، ويعرف ذلك أهل الخبرة‏.‏ إلاّ أنّ صاحب التتارخانية من الحنفيّة يرى أنّ الميّت إذا صار تراباً في القبر يكره دفن غيره في قبره، لأنّ الحرمة باقية‏.‏

قال ابن عابدين معقّباً على هذا‏:‏ لكن في ذلك مشقّة عظيمة، فالأولى إناطة الجواز بالبلى، إذ لا يمكن أن يعدّ لكلّ ميّتٍ قبر لا يدفن فيه غيره وإن صار الأوّل تراباً لا سيّما في الأمصار الكبيرة الجامعة، وإلاّ لزم أن تعمّ القبور السّهل والوعر‏.‏ على أنّ المنع من الحفر إلى ألاّ يبقى عظم عسر جدّاً، وإن أمكن ذلك لبعض النّاس، لكن الكلام في جعله حكماً عامّاً لكلّ أحدٍ‏.‏ واختلفوا في جواز الحرث والزّراعة والبناء في المقبرة المندرسة، فأجازه الحنفيّة والحنابلة، ومنعه المالكيّة، ولم نعثر على نصٍّ للشّافعيّة في ذلك‏.‏ وأمّا قبور المشركين فذهب الفقهاء إلى جواز نبشها، ليتّخذ مكانها مسجداً، لأنّ موضع مسجد النّبيّ كان قبوراً للمشركين‏.‏

إحياء المندرس

6 - سبق في إحياء الموات - من أبحاث الموسوعة - أنّ من أحيا أرضاً ميّتةً ثمّ تركها حتّى، اندرست، فهل تصير مواتاً إذا أحياها غيره ملكها، أو تبقى على ملك الأوّل ‏؟‏

ذهب الشّافعيّة والحنابلة، وهو أصحّ القولين عند الحنفيّة، وأحد أقوالٍ ثلاثةٍ عند المالكيّة إلى أنّها تبقى على ملك الأوّل، ولا يملكها الثّاني بالإحياء، مستدلّين بقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «من أحيا أرضاً ميّتةً ليست لأحدٍ فهي له»‏.‏ ولأنّ هذه أرض يعرف مالكها فلم تملك بالإحياء، كالّتي ملكت بشراءٍ أو عطيّةٍ‏.‏

وفي قولٍ ثانٍ للمالكيّة، وهو قول عند الحنفيّة‏:‏ إنّ الثّاني يملكها، قياساً على الصّيد، إذا أفلت ولحق بالوحش وطال زمانه، فهو للثّاني‏.‏ وفي قولٍ ثالثٍ للمالكيّة‏:‏ التّفريق بين أن يكون الأوّل أحياه أو اختطّه أو اشتراه، فإن كان الأوّل أحياه كان الثّاني أحقّ به، وإن كان الأوّل اختطّه أو اشتراه كان الأوّل أحقّ به‏.‏

إنذار

التّعريف

1 - الإنذار لغةً‏:‏ مصدر أنذره الأمر، إذا أبلغه وأعلمه به، وأكثر ما يستعمل في التّخويف، يقال‏:‏ أنذره إذا خوّفه وحذّر بالزّجر عن القبيح‏.‏

وفي تفسير القرطبيّ‏:‏ لا يكاد الإنذار يكون إلاّ في تخويفٍ يتّسع مع زمانه للاحتراز، فإن لم يتّسع زمانه للاحتراز كان إشعاراً، ولم يكن إنذاراً‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

أ - الإعذار‏:‏

2 - العذر‏:‏ الحجّة الّتي يعتذر بها، والجمع أعذار، وأعذر إعذاراً‏:‏ أبدى عذراً، ويكون أعذر بمعنى اعتذر، وأعذر ثبت له عذر‏.‏ وفي التّبصرة‏:‏ الإعذار المبالغة في العذر، ومنه‏:‏ قد أعذر من أنذر، أي قد بالغ في الإعذار من تقدّم إليك فأنذرك‏.‏

وقال ابن عرفة‏:‏ الإعذار سؤال الحاكم من توجّه عليه الحكم‏:‏ هل له ما يسقطه ‏؟‏ وإذن، فالإنذار يمكن أن يكون إعذاراً إن كان فيه إثبات الحجّة للمنذر، ودحض حجّة المنذر إذا ما وقع به الضّرر‏.‏

ب - النّبذ‏:‏

3 - النّبذ‏:‏ طرح الشّيء، والنّبذ‏:‏ إعلام العدوّ بترك الموادعة، وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏فانبذ إليهم‏}‏ أي قل لهم‏:‏ قد نبذت إليكم عهدكم، وأنا مقاتلكم، ليعلموا ذلك‏.‏

فالنّبذ مقصود به طرح العهد وعدم الالتزام به‏.‏ والأمر بالنّبذ في الآية الكريمة يجمع بين الأمرين‏:‏ طرح العهد، وإعلامهم بذلك‏.‏ فهو نوع من الإنذار‏.‏

ج - المناشدة‏:‏

4 - نشد الضّالّة‏:‏ طلبها وعرّفها، ونشدتك اللّه‏:‏ أي سألتك باللّه، والمناشدة‏:‏ المطالبة باستعطافٍ، وناشده مناشدةً‏:‏ حلّفه، وقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ «إنّي أنشدك عهدك‏.‏‏.‏‏.‏» أي أذكّرك ما عاهدتني به ووعدتني وأطلبه منك‏.‏

والمناشدة أيضاً تكون بمعنى الإنذار، لكن مع الاستعطاف، وهو طلب الكفّ عن الفعل القبيح، يقول الفقهاء‏:‏ يقاتل المحارب ‏(‏أي قاطع الطّريق‏)‏ جوازاً، ويندب أن يكون قتاله بعد المناشدة، بأن يقال له ‏(‏ثلاث مرّاتٍ‏)‏‏:‏ ناشدتك اللّه إلاّ ما خلّيت سبيلي‏.‏

الحكم الإجمالي

5 - يختلف حكم الإنذار باختلاف مواضعه‏:‏ فقد يكون واجباً‏:‏ وذلك كإنذار الأعمى مخافة أن يقع في محذورٍ، كخوف وقوعه في بئرٍ، فإنّه يجب على من رآه - ولو كان في صلاةٍ - أن يحذّره خشية الضّرر‏.‏

وكإنذار الكفّار الّذين لم تبلغهم الدّعوة، فيحرم الإقدام على قتالهم قبل إبلاغهم بالدّعوة الإسلاميّة‏.‏ وكإنذار المرتدّ عند من يقول بالوجوب كالحنابلة وغيرهم من العلماء‏.‏

وقد يكون مستحبّاً‏:‏ كإنذار الكفّار الّذين بلغتهم الدّعوة، فإنّه يستحبّ دعوتهم إلى الإسلام مبالغةً في الإنذار‏.‏ وكإنذار المرتدّ، فإنّه يستحبّ أن يستتاب ثلاثة أيّامٍ يوعظ فيها ويخوّف لعلّه يرجع ويتوب‏.‏ وكتنبيه الإمام في الصّلاة إذا همّ بترك مستحبٍّ‏.‏

وقد يكون مباحاً‏:‏ كإنذار الزّوجة النّاشز بالوعظ أو بغيره كما ورد في الآية الكريمة ‏{‏واللّاتي تخافون نشوزهنّ فعظوهنّ‏.‏‏.‏‏.‏‏}‏ الآية‏.‏ وكإنذار صاحب الحائط المائل‏.‏

وقد يكون حراماً‏:‏ كما إذا كان في الإنذار ضرر أشدّ من ضرر المنكر الواقع‏.‏

ما يكون به الإنذار

6 - الإنذار قد يكون بالقول، وذلك كوعظ المتشاجرين، واستتابة المرتدّ، وعرض الدّعوة على الكفّار، ووعظ الزّوجة النّاشز‏.‏

وقد يكون الإنذار بالفعل في أحوالٍ منها‏:‏

أ - أن يكون الكلام غير جائزٍ، كمن كان في الصّلاة ورأى رجلاً عند بئرٍ، أو رأى عقرباً تدبّ إلى إنسانٍ، وأمكن تحذيره بغمزه أو لكزه، فإنّه لا يجوز الكلام حينئذٍ‏.‏

وهناك صورة أخرى للتّحذير بيّنها النّبيّ صلى الله عليه وسلم وهي - لمن كان في الصّلاة ورأى ما يجب التّحذير منه - أن يسبّح الرّجل وتصفّق المرأة، ففي البخاريّ‏:‏ «يا أيّها النّاس‏:‏ ما لكم حين نابكم شيء في الصّلاة أخذتم في التّصفيق ‏؟‏ إنّما التّصفيق للنّساء»، وفي هذا صورة التّحذير بالفعل بدل القول بالنّسبة للمرأة الّتي في الصّلاة‏.‏

ب - أن يكون الكلام غير مجدٍ، وذلك إذا لم تفلح طريقة الوعظ بالنّسبة للزّوجة النّاشز، فللزّوج بعد الوعظ أن يهجرها، فإن لم يفلح الهجر ضربها ضرباً خفيفاً‏.‏ وكتغيير المنكر باليد لمن يملك ذلك، عملاً بقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ «من رأى منكم منكراً فليغيّره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان»‏.‏

من له حقّ الإنذار

7 - الإنذار في الغالب يكون تحذيراً من شيءٍ ضارٍّ أو عملٍ غير مشروعٍ، وكلّ ما كان كذلك فهو من حقّ كلّ مسلمٍ، عملاً بقوله تعالى‏:‏ ‏{‏ولتكن منكم أمّة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر‏}‏ وقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ «من رأى منكم منكراً فليغيّره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان»‏.‏

وقد ذكر الفقهاء ذلك تحت عنوان الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر، وهو فرض كفايةٍ بشروطه الخاصّة‏.‏ ر‏:‏ ‏(‏أمر بالمعروف ونهي عن المنكر‏)‏‏.‏

ويتعيّن الإنذار بالنّسبة لوالي الحسبة، لأنّه خصّص من قبل الإمام لذلك‏.‏ ر‏:‏ ‏(‏حسبة‏)‏‏.‏ وتثبت ولاية الحسبة للزّوج والمعلّم والأب‏.‏ ر‏:‏ ‏(‏حسبة - ولاية‏)‏‏.‏

مواطن البحث

يأتي الإنذار في كلّ ما هو ضارّ أو غير مشروعٍ، ومسائله متعدّدة في أبواب الفقه، ومن ذلك‏:‏ إنذار تارك الصّلاة، في باب الصّلاة وهكذا بقيّة العبادات‏.‏ وفي الجنايات في الصّيال، والحائط المائل، وفعل ما يضرّ بالمسلمين‏.‏ وفي باب الأذان، وهل يجوز قطعه لإنذار غيره‏.‏ في باب الجمعة حكم قطع الخطبة للإنذار وحكم إنذار المستمع لغيره‏.‏

وفي حكم الجوار، وفي القضاء بالنّسبة للشّهود، وفي إنذار الزّوج الغائب قبل التّفريق لعدم الإنفاق‏.‏ وغير ذلك‏.‏

إنزاء

التّعريف

1 - الإنزاء لغةً‏:‏ حمل الحيوان على النّزو، وهو‏:‏ الوثب، ولا يقال إلاّ للشّاء، والدّوابّ، والبقر، في معنى السّفاد‏.‏ ولا يختلف معناه عند الفقهاء عن المعنى اللّغويّ‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

أ - عسب الفحل‏:‏

2 - قيل هو‏:‏ الكراء الّذي يؤخذ على ضراب الفحل، وقيل‏:‏ هو ضرابه، وقيل‏:‏ ماؤه‏.‏

الحكم الإجمالي

3 - الإنزاء الّذي لا يضرّ - كالإنزاء على مثله أو نحوه أو مقاربه - جائز، كخيلٍ بمثلها أو بحميرٍ، أمّا إذا كان يضرّ - كإنزاء الحمير على الخيل - فإنّ من الفقهاء من كرهه، أخذاً بحديث عليٍّ رضي الله عنه قال‏:‏ «أهديت لرسول اللّه صلى الله عليه وسلم بغلة فركبها، فقلت لو حملنا الحمير على الخيل فكانت لنا مثل هذه، فقال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم‏:‏ إنّما يفعل ذلك الّذين لا يعلمون»‏.‏ وقالوا‏:‏ وسبب النّهي أنّه سبب لقلّة الخيل وضعفها‏.‏ قال الخطّابيّ‏:‏ يشبه أن يكون المعنى في ذلك واللّه أعلم - أنّ الحمر إذا حملت على الخيل تعطّلت منافع الخيل، وقلّ عددها، وانقطع نماؤها‏.‏ والخيل يحتاج إليها للرّكوب والطّلب، وعليها يجاهد العدوّ وبها تحرز الغنائم، ولحمها مأكول، ويسهم للفرس كما يسهم للفارس، وليس للبغل شيء من هذه الفضائل، فأحبّ صلى الله عليه وسلم أن ينمو عدد الخيل ويكثر نسلها لما فيها من النّفع والصّلاح‏.‏ ولكن قد يحتمل أن يكون حمل الخيل على الحمر جائزاً، لأنّ الكراهة في هذا الحديث إنّما جاءت في حمل الحمر على الخيل، لئلاّ تشغل أرحامها بنسل الحمر، فيقطعها ذلك عن نسل الخيل، فإذا كانت الفحولة خيلاً والأمّهات حمراً فقد يحتمل أن لا يكون داخلاً في النّهي، إلاّ أن يتأوّل متأوّل، أنّ المراد بالحديث صيانة الخيل عن مزاوجة الحمر، وكراهة اختلاط مائها، لئلاّ يضيع طرقها، ولئلاّ يكون منه الحيوان المركّب من نوعين مختلفين، فإنّ أكثر المركّبات المتولّدة بين جنسين من الحيوان أخبث طبعاً من أصولها الّتي تتولّد منها وأشدّ شراسةً كالسّمع، والعسبار ونحوهما، وكذلك البغل لما يعتريه من الشّماس والحران والعضاض، ونحوها من العيوب والآفات، ثمّ هو حيوان عقيم ليس له نسل ولا نماء ولا يذكّى ولا يزكّى‏.‏

قلت‏:‏ وما أرى هذا الرّأي طائلاً، فإنّ اللّه سبحانه قال‏:‏ ‏{‏والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينةً‏}‏ فذكر البغال وامتنّ علينا‏.‏ بها كامتنانه بالخيل والحمير، وأفرد ذكرها بالاسم الخاصّ الموضوع لها، ونبّه على ما فيها من الإرب والمنفعة، والمكروه من الأشياء مذموم لا يستحقّ المدح ولا يقع بها الامتنان، وقد «استعمل رسول اللّه صلى الله عليه وسلم البغل واقتناه، وركبه حضراً وسفراً، وكان يوم حنينٍ على بغلته رمى المشركين بالحصباء‏.‏ وقال‏:‏ شاهت الوجوه فانهزموا»، ولو كان مكروهاً لم يقتنه ولم يستعمله واللّه أعلم‏.‏ والحنفيّة أجازوا إنزاء الحمير على الخيل وعكسه‏.‏

مواطن البحث

4 - بالإضافة إلى ما تقدّم تكلّم الشّافعيّة في امتناع الإنزاء على الدّابّة المرهونة، إلاّ إن ظنّ أنّها تلد قبل حلول الدّين‏.‏ ويفصّل الفقهاء ذلك في باب ‏(‏الرّهن‏)‏، وينظر حكم الإجارة على الإنزاء في مصطلح ‏(‏عسب الفحل‏)‏‏.‏

إنزال

التّعريف

1 - الإنزال لغةً‏:‏ مصدر أنزل‏:‏ وهو من النّزول، ومن معناه الانحدار من علوٍ إلى سفلٍ، ومنه إنزال الرّجل ماءه إذا أمنى بجماعٍ أو غيره‏.‏

وفي الاصطلاح‏:‏ يطلق الإنزال على خروج ماء الرّجل أو المرأة بجماعٍ أو احتلامٍ أو نظرٍ أو غيره‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

الاستمناء‏:‏

2 - الاستمناء لغةً‏:‏ طلب خروج المنيّ، واصطلاحاً‏:‏ إخراج المنيّ بغير جماعٍ، محرّماً كان أو غير محرّمٍ‏.‏

فالاستمناء على هذا أخصّ من الإنزال، لأنّ الإنزال خروج المنيّ بالجماع أو غيره‏.‏

أسباب الإنزال

3 - يكون الإنزال بالجماع، أو باليد، أو بالمداعبة، أو النّظر، أو الفكر، أو الاحتلام‏.‏

الحكم الإجمالي

4 - تختلف أحكام الإنزال باختلاف مواطنه، فيكون حلالاً للرّجل والمرأة إذا كان بنكاحٍ صحيحٍ، أو ملك يمينٍ‏.‏ ويكون حراماً إذا كان في غير ذلك‏.‏

وكلا الإنزالين يكون حراماً في الجملة إذا كان في نهار رمضان‏.‏

ويكون حراماً بالنّسبة للمحرم بحجٍّ أو عمرةٍ‏.‏

ويحرم في الاعتكاف الواجب الإنزال، أو فعل ما يؤدّي إليه كلمسٍ وقبلةٍ‏.‏

الإنزال بالاستمناء

5 - اختلف الفقهاء في حكم الإنزال بالاستمناء على أقوالٍ ما بين الحرمة والكراهة، والجواز والوجوب في حال الضّرورة‏.‏ وتفصيله في مصطلح‏:‏ ‏(‏استمناء ج 4 /99‏)‏ والإنزال بالاستمناء، يبطل الصّوم عند جمهور الفقهاء، وخالف في ذلك أبو بكر بن الإسكاف وأبو القاسم من الحنفيّة، فقالا بعدم إبطال الصّوم‏.‏

وفي وجوب الكفّارة خلاف يرجع إليه في ‏(‏صوم‏)‏‏.‏

ويبطل الإنزال باليد الاعتكاف، وفي هذا تفصيل يرجع إليه في مصطلح‏:‏ ‏(‏استمناء‏)‏‏.‏ والإنزال بالاستمناء لا يفسد الحجّ والعمرة عند الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة، لكن يجب فيه دم، لأنّه كالمباشرة فيما دون الفرج في التّحريم والتّعزير، فكان بمنزلتها في الجزاء، أمّا المالكيّة فقالوا بفساد الحجّ والعمرة به، وأوجبوا القضاء والكفّارة، ولو كان ناسياً، لأنّه أنزل بفعلٍ محظورٍ، وتفصيله في ‏(‏الاستمناء‏)‏ أيضاً‏.‏

وفي الإنزال بالنّظر أو الفكر وأثره على الصّوم أو الاعتكاف أو الحجّ خلاف وتفصيل ينظر في مبحث ‏(‏الاستمناء‏)‏‏.‏ والإنزال بالتّفكّر حكمه حكم الإنزال بالنّظر على الخلاف السّابق‏.‏

الإنزال بالاحتلام

6 - الإنزال بالاحتلام لا يبطل الصّوم، ولا يوجب قضاءً أو كفّارةً، ولا يفسد الحجّ ولا يلزم به فدية، ولا يبطل الاعتكاف‏.‏

ويعرف الإنزال في الاحتلام بعلاماتٍ معيّنةٍ، بوجود منيٍّ في ثوب نومه أو فراشه، أو بللٍ من أثره‏.‏ فإذا احتلم ولم ينزل فلا غسل عليه، أجمع على ذلك الفقهاء، وإذا أنزل فعليه الغسل‏.‏ وإن وجد منيّاً ولم يذكر احتلاماً فعليه الغسل، على خلافٍ وتفصيلٍ ينظر في مصطلح‏:‏ ‏(‏احتلام‏)‏‏.‏

حكم الاغتسال من الإنزال

7 - اتّفق الفقهاء على أنّ المنيّ إذا نزل على وجه الدّفق والشّهوة يجب منه الغسل، أمّا إذا نزل لا على وجه الدّفق والشّهوة فلا يجب منه الغسل عند الجمهور، وذهب الشّافعيّة، وهو رواية عن أحمد وقول للمالكيّة إلى وجوب الغسل بذلك، فإذا سكنت الشّهوة قبل خروج المنيّ إلى الظّاهر ثمّ نزل ففيه خلاف يرجع إليه في مصطلح‏:‏ ‏(‏غسل‏)‏‏.‏

إنزال المرأة

8 - المرأة كالرّجل في الأحكام الّتي تترتّب على إنزال المنيّ، لما روى مسلم أنّ أمّ سليمٍ حدّثت أنّها «سألت النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ المرأة ترى في منامها ما يرى الرّجل ‏؟‏ فقال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم‏:‏ إذا رأت ذلك المرأة فلتغتسل»‏.‏

وفي لفظٍ أنّها قالت‏:‏ «هل على المرأة غسل إذا هي احتلمت ‏؟‏ فقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ نعم إذا رأت الماء»‏.‏

فخروج المنيّ بشهوةٍ في يقظةٍ أو نومٍ يوجب الغسل على الرّجل والمرأة، وهذا باتّفاقٍ‏.‏ ومثل ذلك سائر الأحكام في الصّيام والاعتكاف والحجّ على ما سبق بيانه‏.‏

إلاّ أنّ الفقهاء يختلفون فيما يتحقّق به نزول المنيّ من المرأة لترتّب الأحكام عليه‏.‏

ويتحقّق ذلك بوصول المنيّ إلى المحلّ الّذي تغسله في الاستنجاء، وهو ما يظهر عند جلوسها وقت قضاء الحاجة، وهذا هو ظاهر الرّواية عند الحنفيّة، وبهذا قال المالكيّة عدا سندٍ، والحنابلة الشّافعيّة بالنّسبة للثّيّب‏.‏ وقال سند من المالكيّة‏:‏ إنّ بروز المنيّ من المرأة ليس شرطاً، بل مجرّد الانفصال عن محلّه يوجب الغسل، لأنّ عادةً منيّ المرأة ينعكس إلى الرّحم ليتخلّق منه الولد، وهذا ما يقابل ظاهر الرّواية عند الحنفيّة‏.‏

وقال الشّافعيّة في البكر‏:‏ لا يجب عليها الغسل حتّى يخرج المنيّ من فرجها، لأنّ داخل فرجها في حكم الباطن ر‏:‏ ‏(‏انظر‏:‏ احتلام‏)‏‏.‏

إنزال المنيّ لمرضٍ أو بردٍ ونحو ذلك

9 - يرى جمهور الفقهاء ‏(‏الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة‏)‏ أنّ خروج المنيّ لغير لذّةٍ وشهوةٍ، بأن كان بسبب بردٍ أو مرضٍ، أو ضربةٍ على الظّهر، أو سقوطٍ من علوٍ، أو لدغة عقربٍ، أو ما شابه ذلك، لا يوجب الغسل، ولكن يوجب الوضوء‏.‏

أمّا الشّافعيّة فإنّه يجب الغسل عندهم بخروج المنيّ، سواء أكان بشهوةٍ ولذّةٍ، أم كان بغير ذلك، بأن كان لمرضٍ ونحوه ممّا سبق، وهذا إذا خرج المنيّ من المخرج المعتاد، وكذا الحكم إذا خرج من غير مخرجه المعتاد وكان مستحكماً، أمّا إذا لم يكن مستحكماً مع خروجه من غير المخرج المعتاد فلا يجب الغسل‏.‏

انسحاب

التّعريف

1 - الانسحاب لغةً‏:‏ مصدر انسحب، مطاوع سحب، أي جرّ‏.‏

ويراد به عند الفقهاء والأصوليّين امتداد الفعل في أوقاتٍ متتاليةٍ امتداداً اعتباريّاً، كحكمنا على نيّة المتوضّئ بالانسحاب في جميع أركان الوضوء، إذا نوى في أوّل الرّكن الأوّل، ثمّ ذهل عنها بعد في بقيّة الأركان‏.‏ وكذا الحكم في العزم على امتثال المأمور في الواجب الموسّع في أجزاء الوقت بمجرّد العزم الأوّل‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

أ - الاستصحاب‏:‏

2 - الاستصحاب في اللّغة‏:‏ ملازمة الشّيء شيئاً آخر‏.‏ تقول استصحبت الكتاب وغيره‏:‏ إذا حملته بصحبتك‏.‏ ومن هنا قيل‏:‏ استصحبت الحال‏:‏ إذا تمسّكت بما كان ثابتاً، كأنّك جعلت تلك الحالة مصاحبةً غير مفارقةٍ‏.‏

واستصحاب الحال عند الأصوليّين معناه‏:‏ إبقاء ما كان على ما كان عليه لانعدام المغيّر‏.‏ وقد استعمل الفقهاء الاستصحاب بمعناه اللّغويّ حيث قالوا‏:‏ إنّ الذّهول عن استمرار النّيّة في الوضوء بعد استحضارها مغتفر لمشقّة استصحابها‏.‏

ب - الانجرار‏:‏

3 - الانجرار‏:‏ مصدر انجرّ، مطاوع جرّ‏.‏ وهو بمعنى الانسحاب في اللّغة، والفقهاء جرت عادتهم بالتّعبير بالانجرار في باب الولاء، ومرادهم به‏:‏ انتقال الولاء من مولًى إلى آخر بعد بطلان ولاء الأوّل، وعبّروا بالانسحاب أو الاستصحاب في مباحث النّيّة والعزم على العبادة في الوقت الموسّع‏.‏

الحكم الإجماليّ

أ - الانسحاب عند الأصوليّين‏:‏

4 - إذا كان الواجب موسّعاً فجميع الوقت وقت لأدائه، فيتخيّر المكلّف أن يأتي به في أيّ وقتٍ شاء من وقته المقدّر له شرعاً‏.‏ والواجب عليه في كلّ وقتٍ إمّا الفعل أو العزم على الفعل، ولا يجب تجديد العزم في كلّ جزءٍ من أجزاء الوقت، بل يكفي العزم في أوّل الوقت، ثمّ ينسحب هذا العزم على بقيّة الأجزاء إلى أن يتضيّق الوقت، على خلافٍ وتفصيلٍ محلّهما الملحق الأصوليّ‏.‏

ب - الانسحاب عند الفقهاء‏:‏

5 - الأصل في العبادة الواحدة ذات الأفعال المتعدّدة أن يكتفي بالنّيّة في أوّلها، ولا يحتاج إلى تجديدها في كلّ فعلٍ، اكتفاءً بانسحابها عليها‏.‏ فعند الحنفيّة، قال في الدّرّ المختار‏:‏ المعتمد إنّ العبادة ذات الأفعال تنسحب نيّتها على كلّها‏.‏

قال ابن عابدين‏:‏ واحترز بذات الأفعال عمّا هي فعل واحد كالصّوم، فإنّه لا خلاف في الاكتفاء بالنّيّة في أوّله، ويرد عليه الحجّ، فإنّه ذو أفعالٍ منها طواف الإفاضة لا بدّ فيه من أصل نيّة الطّواف، وإن لم يعيّنه عن الفرض، حتّى لو طاف نفلاً في أيّامه وقع عنه، والجواب أنّ الطّواف عبادة مستقلّة في ذاته كما هو ركن للحجّ، فباعتبار ركنيّته يندرج في نيّة الحجّ، فلا يشترط تعيينه، وباعتبار استقلاله اشترط فيه أصل نيّة الطّواف، حتّى لو طاف هارباً أو طالباً لغريمٍ لا يصحّ، بخلاف الوقوف بعرفة، فإنّه ليس بعبادةٍ إلاّ في ضمن الحجّ، فيدخل في نيّته، وعلى هذا الرّمي والحلق والسّعي‏.‏ وأيضاً فإنّ طواف الإفاضة يقع بعد التّحلّل بالحلق، حتّى إنّه يحلّ له سوى النّساء، وبذلك يخرج من الحجّ من وجهٍ دون وجهٍ، فاعتبر فيه الشّبهان‏.‏

مواطن البحث

6 - ذكر الأصوليّون الانسحاب في الكلام على الواجب الموسّع من مباحث الأحكام، كما ذكره الفقهاء في كلامهم على النّيّة في العبادات في كتب الفروع، وكتب الأشباه والنّظائر‏.‏

نهاية الجزء السادس / الموسوعة الفقهية